العجوز المتصابية

ارتدت ملابسها القاتمة الوقورة منذ الصباح الباكر وخرجت من منزلها متجهة إلي ابنتها الكبري التي تقطن في أحد أرقي أحياء القاهرة لتعود معها فيما بعد مساء اليوم لحضور حفل زفاف نجل شقيق زوجها. طوال الطريق كانت تتذكر أيام حياتها. ذلك اليوم الجميل الذي قابلته فيه صدفة عندما كانت في زيارة لإحدي صديقاتها وعلمت فيما بعد انه شقيقها الوحيد وذلك اليوم الأجمل الذي صرح لها فيه بحقيقة مشاعره تجاهها وبعدها قدومه لطلب يدها حتي كُلل حبهما في يوم أكثر روعة بالزواج. تاريخ طويل تذكرته منذ زواجها الذي دام أكثر من خمسة وعشرين عاماً عاشتها في سعادة وحب مع زوجها لم يكد ينغص عليها شيء في سنواتها الأخيرة سوي احساسها بأنها قد قاربت الخمسين. فقد بدأ جمالها الطبيعي في الذهاب بدأت التجاعيد تغزو وجهها ورقبتها. لم تعد مثلما كانت خاصة انها انشغلت بتربية بناتها الثلاث. انزعجت أكثر عندما بدأت تلاحظ علي زوجها اعجابه بأي امرأة أخري سواء شاهدها علي شاشة التليفزيون أو علي الطبيعة.
في ذلك الوقت كانت قد وصلت إلي ابنتها التي أقنعتها بالذهاب معها لأحد "الكوافيرات" لتستعد لحضور زفاف ابن عمها وهناك رأت عالم آخر فالسيدات من كل صنف ولون وسن كلهن شرعن في تزيين أنفسهن. هنا دار بينها وبين مالكة الكوافير حديث استطاعت أن تقنعها فيه بأنها تستطيع أن تعيد بها الزمن عشر سنوات للوراء. وطبعاً كل ما فكرت فيه زوجها الذي قررت أن تفاجئه "بنيولوك" مختلف تماما ترجع به شبابها متناسية انها زوجة تاجر كبير من إحدي قري الصعيد التي لها تقاليدها وأعرافها وتركت نفسها للكوافيرة التي شرعت في صباغة لون شعرها بلون فاقع وألبستها فستان سهرة لا يليق بسنها والاضافة إلي الماكياج الصارخ الذي تفننت فيه بشكل زائد عن الحد كانت قد طلبت من ابنتها الذهاب وهي ستلحق بها لأنها ستفاجئهم كلهم وبالفعل ما إن دخلت قاعة الاحتفالات حتي كانت الصاعقة فالسيدة الوقور المحترمة انقلبت إلي سيدة متصابية. وبالطبع عندما رآها زوجها ابتسمت في وجهه منتظرة منه كلمات الاعجاب إلا انه بادرها بالتوبيخ أمام الجميع ليحفظ ماء وجهه وشعرت هي بالحسرة ولملمت أذيال الخيبة والاحباط.
في البيت استشاط الزوج غضباً ونشبت بينه وبينها مشادة كلامية انتهت بتركها لبيتها والذهاب إلي بيت أخيها وطوال ثلاثة أسابيع لم يتصل بها أو يذهب لرؤيتها فقامت بالذهاب لمكتب تسوية المنازعات الأسرية في حلوان لرفع دعوي طلاق للضرر بحجة انه أهانها أمام الجيران.
عندما حضر الزوج حدثت بينهما مشادة كلامية وانهارت هي قائلة انها تحبه وفعلت كل ذلك من أجله فقد كانت تغار عندما كان ينظر باعجاب لغيرها من النساء أو يبدي اعجابه بشكل أو قوام احداهن. هنا تفهم زوجها الموقف وشعر انها تمر بسن حرجة وتحتاج أن يحتويها أكثر خاصة وانه شرح لها أمام أعضاء المكتب انه لم يكن يقصد انها لم تعد تعجبه بل كان يبدي اعجابه بشكل عابر ثم ان من تتحدث عنهن في عمر بناته!!!
بعد مداولات تم الصلح بين الزوجين بعد أن وعدته بعدم تكرار فعلتها حتي لا يخسرا عشرة خمسة وعشرين عام.